اتصل بنا
 

أبناء البطة السوداء .. التخصصات الشرعية كمنوذج

نيسان ـ بقلم يوسف جميل القرشي ـ نشر في 2015-04-30

x
نيسان ـ

لطالما اعتدنا على إطلاق هذا اللقب على من يعامَل بشكل مختلف بصورة سلبية، فأبناء البطة السوداء هم الأقل حظاً ضمن مجتمع ما، سواءا كان مجتمعاً أكاديمياً أو ثقافياً أو اقتصادياً، أو حتى داخل الأسرة الواحدة، ابن البطة السوداء هو ذلك الابن المختلف الذي يكرهه إخوانه ويحقدون عليه لمجرد أنه مختلف، وبالتالي لا يعامل كباقي أفراد الفريق، المزاح متقبل من الجميع إلا منه، وتميزه خروج عن الثقافة السائدة، ولون بنطاله مؤذ لنفسيات وعيون الباقين ، باختصار إنه ابن البطة السوداء.

يبدو أن أصحاب التخصص الشرعي ضمن دائرة النخب أو المثقفين إن صح التعبير هم أبناء البطة الملعونة لا السوداء، حيث أن قواعد التخصص تطبق على الجميع إلا عليهم، الجميع له الحق في الحديث عن دقائق تخصصهم بفهم أو دون فهم، الجميع له الحق في الانتقاد والرمي بالجهل بل والإساءة من دون أي حسيب أو رقيب، بل من حقهم أن يفندوا الرأي الذي اتفق عليه أصحاب التخصص لمجرد أنه خالف رأيه الشخصي.

"الدين للجميع" و "ليس عندنا رجال دين" عبارات أطلقت من قبل أصحاب التخصص أنفسهم لتوضيح اختلاف الإسلام عن الرهبانية النصرانية وغيرها، لكنها استخدمت من قبل البعض لضرب فكرة التخصص الدقيق في العلوم الشرعية، مدعين أن فهم النص حق للجميع، والقرآن هو كتاب المسلمين جميعاً وبالتالي يستطيع المسلم أن يستنبط منه ما يشاء ، ويستوي في ذلك المتخصص في التفسير مع الطبيب البيطري أو المهندس المعماري .

يصعب على البعض أن يفرق بين فكرتين؛ الفكرة الأولى هي فكرة الولاية على النصوص الدينية والوصاية على الحق المطلق، حيث يمنع غير المنتمي للـ "دير" أو الكنيسة من تفسير النص الديني، وفكرة التخصص حيث يتكلم العالم في مجال علمه الذي قضى فيه سنوات وسنوات، وهو مع هذا يؤخذ من كلامه ويرد من قبل من أتقن التخصص، وهذا يحدث يومياً ضمن النطاق الواسع والضيق ، والردود العلمية والمناظرات هي إحدى أكبر مصادر العلوم الشرعية.

من المستغرب جداً أن ينتقد طالب طب في السنة الأولى – وهو ابن التخصص - الاستشاري الذي قضى عمره بين المستشفيات والجامعات، لكنه ليس المستغرب من صاحب السماحة الروائي أو الشاعر أن ينتقد بل ويخطّأ بل ويشتم المتخصص وينعته بعدم الفهم في تخصصه !! .

كيف يستطيع من لا يدرك ماهية الحكم الشرعي، ولا يعرف الآلية التي يستنبط الحكم الشرعي بها، ولا يستطيع الموازنة بين مصادر الأحكام، ولربما لا يعرف أن يعدد إلا مصدرين أو ثلاثة تعدادا دون تعريف، كيف يستطيع الوصول إلى نتيجة سليمة في بحثه (( الجاد!! )) .

مشكلة مثقفينا في ذات الأمر الذي انتقدوه على أصحاب العلم الشرعي، إنهم يعتقدون أنهم أصحاب الفهم في كل شيء وفي كل زمان ، إنهم يعتقدون – دون أن يصرحوا – أنهم أصحاب الوصاية على العقل الشعبي، وغيرهم عوام منقادون، وكلمن نازعهم تلك السلطة خطر عليهم ومصيره إلى جهنم أعمدة الجرائد.

نيسان ـ بقلم يوسف جميل القرشي ـ نشر في 2015-04-30

الكلمات الأكثر بحثاً